ثمة
عقبات وهمية من صنع الناس، وحواجز يبنيها بعضنا أمام نفسه
دون قصد، وحيث أن الناس قد يرون فيك ما لا تراه في نفسك;
كتبت بعض هذه الحيل علنا ننجح في التخلص منها والبعد عنها .


الحيلة الأولى : انتظار الوقت المناسب

يتأخر
بعضهم في مزاولة العمل ، وبذل الجهد لتحقيق الهدف ؛ متعللًا
بانتظار الوقت المناسب، وتحيّن الفرصة المواتية، وهذا
الانتظار في أكثره؛ ما هو إلا حيلة نفسية للتأجيل والتسويف والكسل،
وإلا فقد اتفق العقلاء قاطبة أنّ أول خطوة لتحقيق أي هدف : هي
البدء في تحقيقه فورًا ، وأنك إن انتظرت الوقت المناسب؛
فإنه لن يأتِ .


الحيلة الثانية : وهم الضحية

يستمتع
بعضهم بلعب دور الضحية ، ومن شدة الإعجاب به : يتقنه ، فيظن
أنّ كل ما حوله مستوفزٌ للوقوف ضده ، وكل من حوله همه أن
يحد من تقدمه ، فيرى الناس مجرد أقنعة تخفي من خلفها وجه الجلاد الذي
يلاحقه ، وما علم أنه إن صح في موقف أنه ضحية ؛ فيستحيل أن
يكون كذلك على الدوام ، وأنّ الضحية قد تموت وقد تنجو وقد
تصبح جلادًا في حين من الدهر لاحقًا ، وكل ما عليه : أن
يبحث عن مخرج .


الحيلة الثالثة : استحلاب الماضي

بعض الناس
يصيبه العطش من أحداث الحاضر ، فيستحلب الماضي ليشرب ،
وكلٌ على ماضيه يروي ويرتوي ، فمن كان ماضيه ربيعًا وحاضره
قاعًا صفصفًا : بدأ يعزف على أنغام الصبا ، وألحان الإنجاز ، ومن كان
حاضره خاويًا وماضيه تعيسًا : بدأ يُسمِعك بعض الموشحات
الحزينة وكأنك في مأتم ، والعاقل يعلم أن ما مضى فات ، وما
حواه قد مات ، وأن مهمته استغلال حاضره واستثمار مستقبله
وعلى الله قصد السبيل .


الحيلة الرابعة : الآمال الخادعة

بعض
الناس تتضخم عنده المواهب ، فيتحير أيها يسلك لينير دروبًا
مظلمة في سبيل النجاح ، ونظرًا لكثرة رغباته وتعدد شهواته :
يحلم بأنه سيصبح منارة يهتدي بها السائرون ، وعلامة يستدل
بها التائهون ، وفي النهاية ينتظر أمله الموعود يتحقق من
تلقاء نفسه وهيهات أن يفعل ، وهذا الكلام ينطبق على كل من
كان أسيرًا للأمل دون أن يترجمه بعمل .


الحيلة الخامسة : إسقاط العيوب

الاعتراف
بالنقص والتقصير : عملية صعبة على النفس البشرية ؛ لذا
تجدها تبدع في التسويغ واختراع المعاذير ، وأكثر الناس
تسويغًا للأخطاء : هم المثقفون ، وحيث أنّ موقف المخطئ والفاشل ضعيف ؛
فإنه يتعلق بأي قشة : ليعلق عليها عذرًا يكفل له تسويغًا يسكن
إليه ، فالعين والسحر والحسد = قوالب جاهزة لا تحتاج إلى
كثير عناء لنضع فيها كل ما عجزنا عن تحقيقه أو أخفقنا في
الوصول إليه ، والعاقل الشجاع إن لم يعترف بحقيقة الخطأ ؛
فلا أقل من أن يلتزم الصمت ، فالصمت لا يسمعه الناس .


الحيلة السادسة : وهم الأهمية

بعض
الناس يتصور أنه محور اهتمام من يعرفه ؛ يصبحون ويمسون على
أخباره وأحاديثه ، فيظن أنهم مهتمون به وبجميع أموره ،
فيتصور أنهم يقفون على قدم واحدة ينتظرون تصرف منه يصدر أو
عبارة من فيه تقطر ، فيعيش في وهم يسد نقصه من خلاله ويتعب
نفسه في آن معًا ، وما علم المسكين أن كل إنسان يرى نفسه محور
كونه ، وما الاهتمام الذي يلقيه أحدهم على غيره إلا فتات ، وهذا
الفتات يعود في حقيقته إلى اهتمامٍ بالذات ، والعاقل خصيم
نفسه يراقبها دون ما سواها .


الحيلة السابعة : لفت الانتباه

حب البروز
والتميز : حاجة نفسية ، وما نراه من أشكال مقززة في بعض
الموضات الشبابية : ما هي إلا تعبير عن هذه الحاجة ، وبعض
الناس يعمل أعمالًا يصور للآخرين -ولنفسه أحيانًا- أنه يريد منها أمرًا
نبيلًا ، وحين يفحص مقصده بمنظار الموضوعية : يجد الحقيقة
بدون أصباغ ، والغاية بيّنة دون قناع ، وكأنه يحمل بوقًا
ينفخ فيه قائلًا : هـَأنذا ، لذا كان مما يتواصى به العقلاء
دائمًا لا تضع الناس بينك وبين تصرفاتك ، واجعل دافعك منك
وفيك .


الحيلة الثامنة : الغيرة النقدية

يبدع
بعضهم في استخراج النواقص ، ويستمتع في اكتشاف العيوب ، وهو
في هذا يترجم أمرين معًا دون أن يشعر ، فهو يقلل من غيره
ويتكثر من نفسه ، وهذه الغيرة النقدية : ليست محمودة ، فهي تشير إلى
نقص يسكن الإنسان يسده من خلال إبراز نقص الآخرين ، وهو مع هذا
يغلف هذه الغيرة بغلاف جميل اسمه : النقد الهادف ، والعقلاء
يعرفون أن ثمة فروق بين من ينصح ليبني ، ومن ينقد ليهدم .


الحيلة التاسعة : من يعلق الجرس

حين تسأله
عن مشكلته يشخصها لك بشكل دقيق ، وإذا سألته عن إمكانياته
يصفها لك بشكل عميق ، وحين تستفهم عن متى يعمل ويباشر الحل :
تجده يقلب يمنة ويسرة في دفتر الأعذار ، ويفتش في صندوق العقبات
: من أجل أن يقنعك أنه يود ذلك ولكن ثمة ما يمنعه ، وهو ينتظر من
يعلق له الجرس ليكمل الخطى ويواصل المسير ، ومما تواصى به
العقلاء أن الجلد لن يحكه مثل الظفر ، فدافعك منك وفيك وإلا
ستتوقف حتمًا .


الحيلة العاشرة : التواضع المذموم

حين
تطلب منه عملًا : يقول لك لا أعرف ، وحين توكل إليه القيام
بمهمة : يتهرب منها ، وحين تواجهه وتناقشه : يخبرك بكل جرأة
أنه أقل من أن يقوم بمثل هذه الأعمال ، وأنّ قدراته ضعيفة ،
ولو كان هذا الحكم بعد تجربة وجهد لكان مقبولًا ، ولكنها
لافتات جاهزة يرفعها في وجه كل من سأله بذلًا أو عملًا أو غير
ذلك ، وما هذا إلا كسل تم تغليفه بغلاف تواضع ، والعقلاء يعرفون في كل
زمان ومكان : أن قدرات الإنسان تتوالد من خلال العمل .