الموت هو عنصر متمم للحياة فالإنسان لا يعيش كي
يموت، بل يموت ليحيا .
هذا العالم هو عالم الموت والفناء. أما العالم
الآخر فهو بحق عالم الحياة والبقاء.
يخشى الناس الموت كما لو كان أسوأ شر في الوجود.
ولكن من يدري، فلعله أعظم خير في الوجود؟!
نحن ندعو مغادرة هذا العالم موتاً. ولكن عندما
نغادره ونتذوق نعيم العالم الآخر الذي يفوق الوصف،
فإن قـُدر لنا العودة ثانية إلى التجسد الأرضي
ستبدو لنا آنذاك تلك العودة موتاً مقارنة بمباهج
السماء التي لا تعرف أرض الأحزان عنها شيئاً.
الحياة الفاضلة على هذه الأرض هي أفضل تحضير
للحياة القادمة.
الموت بالنسبة للإنسان الطيب هو انطلاق من غرفة
ضيقة ونفق مظلم إلى دنيا رحبة تشع بالأنوار وتتألق
بالمباهج والمسرات السماوية التي لا حد لها ولا
انتهاء.
الموت بالنسبة للطيبين ليس دفعاً لدين مستحق بل
استثمار على شكل ودائع ذهبية مودعة باسمهم في بنك
الله حيث لا يحق لسواهم التصرف بها. فالإنسان الذي
يترك جسماً متداعياً متهدماً يحصل مقابله من أمين
الصندوق الإلهي على حرية ونصر ومعرفة وفرح يفوق حد
الوصف.
ننظر إلى الموت على أنه قادم ليفني ويمحق. ولكن
لماذا لا نعتبره رسولاً آتياً من عند الله لكي
ينقلنا من وادي الأحزان إلى فردوس الأمان ؟
ننظر إلى الموت على أنه النهاية، ولكن لماذا لا
نعتبره بداية مقدسة لما هو أنقى وأبقى؟
ننظر إلى الموت على أنه خسارة، ولكن لماذا لا
نعتبره مكسباً للنفس المفارقة التي أضنتها هموم
العيش وهي بأمس الحاجة إلى الخلود للراحة وراحة
الخلود ؟
ننظر إلى الموت على أنه وداع لا لقاء بعده، ولكن
لماذا لا نعتبره لقاء مع من سبقونا وما زالوا عند
ربهم يرزقون؟
فعندما يهمس الموت "حان موعد مغادرة الأرض" لنسمع
صوت الله قائلا في تلك اللحظة "ها قد عدتَ إليّ
والعودُ أحمد"!
مع اقترابنا من تلك اللحظات الأخيرة تتيقظ قوى
النفس فينا ونمتلئ بهجة واستبشاراً بما هو جليل
وعظيم. إنه الفجر الإلهي الذي يبزغ في السماء. وما
مخاوفنا سوى فزع الأطفال من الظلام، لكن الأنوار
في الانتظار بعد نهاية المشوار.
إن الله يخفي أفراح الموت عن البشر كي يعملوا بجد
واجتهاد هنا ويتحملوا أعباء الحياة دون تذمر
واستياء.
الموت هو حرية المأسور وشفاء المريض وتعزية من لا
عزاء له.
من يتذكر الموت لا يفكر أفكاراً وضيعة ولا يحسد
أحداً على ما عنده.
من يتفكر في الله في قلبه ويتأمله في عقله هو
دائماً على أهبة الاستعداد للانتقال من هنا إلى
هناك. وعندما تحين لحظة الوداع لا يرتبك ولا يكون
في عجلة من أمره.
غالباً ما نهنئ أنفسنا عند اليقظة من حلم مريع.
ومن يدري، فقد نفعل نفس الشيء عند الانتقال من أرض
الأحلام هذه إلى أرض اليقظة الأبدية!
الموت ترح ووحشة للأشرار وفرح وبهجة للأخيار.
الموت هو سقوط الزهرة كي تنمو الثمرة.
دعاء عظيم قد يكون سبباً في دخولك الجنة
قال ابن مسعود: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول لأصحابه: أيعجز أحدكم أن يتخذ كل صباح ومساء
عند الله عهدا؟ قيل: يا رسول الله وما ذاك؟ قال:
يقول عند كل صباح ومساء
اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة
إني أعهد إليك في هذه الحياة بأني أشهد أن لا إله
إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك
فلا تكلني إلى نفسي فإنك إن تكلني إلى نفسي
تباعدني من الخير وتقربني من الشر وإني لا أثق إلا
برحمتك فاجعل لي عندك عهدا توفينيه يوم القيامة
إنك لا تخلف الميعاد