للصوم ثلاث درجات:
الأولى ـ صوم العموم: وهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة، وهذا لا يفيد ازيد من سقوط القضاء والاستخلاص من العذاب.
الثانية ـ صوم الخصو وهو الكف المذكور، مع كف البصر والسمع واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن المعاصي، وعلى هذا الصوم تترتب المثوبات الموعودة من صاحب الشرع.
الثالثة ـ صوم خصوص الخصو وهو الكفان المذكوران، مع صوم القلب عن الهمم الدنية، والأخلاق الردية، والافكار الدنيوية، وكفه عما سواه بالكلية، ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر في ما سوى الله واليوم الآخر، وحاصل هذا الصوم اقبال بكنه الهمة على الله، وانصراف عن غير الله، وتلبس بمعنى قوله تعالى: " قل الله ثم ذرهم "، وهذا درجة الأنبياء والصديقين والمقربين، ويترتب عليه الوصول إلى المشاهد واللقاء، والفوز بما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب أحد. وإلى هذا الصوم اشار مولانا الصادق (ع) حيث قال: " قال النبي (ص): الصوم جنة، أي ستر من آفات الدنيا وحجاب من عذاب الآخرة، فإذا صمت فانو بصومك كف النفس عن الشهوات، وقطع الهمة عن خطرات الشياطين، وانزل نفسك منزلة المرضى، ولا تشتهي طعاما ولا شرابا، وتوقع في كل لحظة شفاءك من مرض الذنوب، وطهر باطنك من كل كدر وغفلة وظلمة يقطعك عن معنى الإخلاص لوجه الله. قال رسول الله (ص): قال الله تعالى: الصوم لي وانا اجزى به. والصوم يميت مراد النفس وشهوة الطبع، وفيه صفاء القلب، وطهارة الجوارح، وعمارة الظاهر والباطن، والشكر على النعم والإحسان إلى الفقراء، وزيادة التضرع والخشوع والبكاء، وحبل الالتجاء إلى الله، وسبب انكسار الهمة، وتخفيف الحساب، وتضعيف الحسنات، وفيه من الفوائد ما لا يحصى ولا يعد، وكفى بما ذكرنا لمن عقله ووفق لاستعماله "[1].
تتميم
من صام شهر رمضان اخلاصا لله وتقربا إليه، وطهر باطنه من ذمائم الأخلاق، وكف ظاهره عن المعاصي والاثام، واجتنب عن الحرام، ولم يأكل إلا الحلال، ولم يفرط في الاكل، وواظب على جملة من النوافل والادعية وسائر الآداب المسنونة فيه، استحق للمغفرة والخلاص عن عذاب الآخرة، بمقتضى الأخبار المتواترة. ثم ان كان من العوام، حصل له من صفاء النفس ما يوجب استجابة دعوته، وان كان من أهل المعرفة، فعسى الشيطان لا يحوم على قلبه، فينكشف له شيء من الملكوت، لا سيما في ليلة القدر، إذ هي الليلة التي تنكشف فيها الاسرار، وتفيض على القلوب الطاهرة الأنوار، والمناط والعمدة في نيل ذلك تقليل الاكل بحيث يحس ألم الجوع، إذ من جعل بين قلبه وبين صدره مخلاة من الطعام فهو محجوب عن عوالم الأنوار، ويستحيل ان ينكشف له شيء من الاسرار.