بين الواقعية والمثالية ، تتقاطع في حياتنا مواقف عديدة ، وحين يكون الموضوع قيمة من القيم التي تضبط ايقاع الحياة ، عندها يشتد اختلاف الاراء واذا كانت القيم موضوع الخلاف
تتعلق بالعلاقات الانسانية بين الناس ، تزداد مساحة المفارقات والاختلافات التي قد تشتد لتصل الى مواقف النزاع حين تتداخل اتجاهات الحوار ، لتبرز بوضوح تناقضات الرؤى بحيث تتباعد احتمالات التوفيق بين الاراء التي تطرحها اتجاهات تنطلق عادة من قناعات صاغتها المنظومة الاخلاقيه ، التي اصابها الكثير من امراض العولمة التي لا تقف عند حدود اي بلد ، كي تبرز تأشيرة الدخول فهي – اي العولمة – لا تحمل جواز سفر .
في هذا الاطار ، تتنامى «الانانية» كقيمه من قيم العلاقات بين افراد المجتمع رغم ان «الانانية» كصفه من صفات الفرد ، ظلت حتى وقت قريب قيمه مدانة مرفوضه وقبيحه لا بل لقد نظرت العلوم الانسانية اليها على انها «مرض» تجاوز اوضاع «حالة « ذات علاقة بموقف طارئ خاص محصور ومحدد ، وكان ينظر الى الاناني على انه ذات «احبت نفسها « لدرجة العشق المريض فاغلقت بوابة المشاعر تجاه الاخرين فصار «حب الذات « هو المرجعية الاساسية الوحيدة في تقييم اي حركة في الحياة بحيث تم اسقاط كل فعل لا ينتهي الى «فائدة ذاتية « للاناني ودبجت «الفتاوى» التي تحلل مصادرة حق الاخر ، اذا ما وقف في طريق الوصول الى ما يحقق رغبات الاناني ومطالبه فصارت «الانا» بما تمثله من دلالات هي سيدة الموقف في العلاقة بين الاناني والعالم حوله .
هكذا :
- فالاناني ، صور له « مرضه « ان العالم ومن فيه مسخر لخدمة رغباته دون ان يعترف بحق الاخرين في كل الدنيا ولو ببعض الانانية التي هي في البداية صفة قائمه عند كل نفس بشرية تردعها وتهذبها الاخلاق .
- والاناني لا يرى غضاضة في ان يسطو على ما للآخر ما دام الذي يسرقه يلبي رغبته او ما ظن انه حاجة ضرورية له لا بل انه غالباً ما يسطو على حقوق اخرين لمجرد رغبته في امتلاك ما هو لهم حتى وان لم يكن بحاجة اليه .
- والاناني هو ذك الذي يزاحمك على طريقك ويصادر عليك اولويتك ويتجاوزك في اصطفاف تقف فيه ومجموعة من الناس تنتظرون خدمة ما .
- والاناني هو ذاك الذي ان نافسك في اي امر لم يتوان عن استخدام الغش والتزوير والاحتيال كي يسلبك فوزك ويسرق منك حقك ويشوه تفوقك عليه ويطعن في نجاهك .
- والاناني هو الذي عجز وعيه واصاب الشلل تفكيره وقصرت همته ومفاهيمه عن ادراك انه لن يقدر على حياة دون مشاركة الاخرين ما تقدمه الحياة لمن يعيشون في اطارها تحكمهم منظومة القيم النبيلة التي تسير عليها هذه الحياة .
انه ... ذاك الذي نراه في العديد من المواقف يصادر حقوق الاخرين حين يتشارك معهم في مصالح الحياة يستأثر بكل ما يرغب فيه دون غيره ، ويسقط قيمه المشاركة النبيلة ، لا يعدم الوسيلة في ذلك ، لا يردعه خلق ولا قيمة انسانية لا يستنكر اي سلوك وصولا الى تحقيق رغباته .
هل من شفاء من مرض الانانية ؟
بقي هذا السؤال معلقا منذ ظهرت اول اصابة بمرض الانانية واستفحل الداء وتمت مصادرة الحب الذي منذ كان اتسع للناس جميعا الا ان الاناني بقي على موقفه ولا يزال يعيش في حفرة ذاته يقدس نفسه ، يتعبد بحب الذات امام صنم «الانا « البلهاء وحيدا منبوذا مدانا بانه اناني يحب ذاته ... هكذا نرى الداء يتنامى وما سجل التاريخ شفاء منه لمن اصيب به حتى الان !